جدد إحياء الذكرى الـ٢١ لثورة الإنقاذ فى
السودان ذكريات عام ١٩٨٩، عندما شهد الانقلاب العسكرى الذى حمل الرئيس
السودانى عمر البشير ووضعه على كرسى السلطة بمساندة وتحالف أستاذ القانون
المخضرم والإسلامى السودانى حسن الترابى.. وبعد مرور ٢١ عاما، مرت ذكرى
الانقلاب الشهير على الترابى لا بصفته «حليفا للسلطة» وإنما «معتقلاً
سياسياً» ظل رهن الاعتقال ٤٥ يوما واتخذت السلطات السودانية قرار الإفراج
عنه مساء أمس الأول، تزامنا مع إحياء ذكرى ثورة الإنقاذ، التى كان أحد
أعمدتها الرئيسية عند ميلادها.وجاء إطلاق سراح الترابى فى أعقاب
فترة اعتقال قضاها على خلفية انتقاداته اللاذعة للحكومة واتهام الانتخابات
الرئاسية والتشريعية الأخيرة التى أدت إلى إعادة انتخاب البشير رئيسا بنسبة
٦٨% من الأصوات بأنها «مزورة»، إلا أن قرار الاعتقال صدر بعد نشر صحيفة
«رأى الشعب» المقربة من حزب الترابى المعارض «المؤتمر الشعبى» مجموعة
مقالات شككت فى شعبية البشير، وأشارت إلى وجود مصنع فى ضواحى الخرطوم
لإنتاج أسلحة لإيران.. وهو الأمر الذى دفع الترابى إلى القول: «ربما لأجل
ذلك تم اعتقالى.. لكنى لست رئيس تحرير الصحيفة ولا صاحبها، ولم يفسر لى أحد
أبدا أسباب توقيفى.. وفى السجن تم عزلى تماما عن باقى المعتقلين».وواصل
الترابى صراعه مع البشير بعد خروجه من السجن وعاد إلى مهاجمة الأخير الذى
يعانى من «إزعاج» مذكرة الاعتقال الصادرة من المحكمة الجنائية الدولية
بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية فى دارفور، وقال الترابى: «إن
المعاناة أصبحت نمط حياة لـ٨ ملايين شخص فى دارفور» مشيرا إلى أن الأمل
«ضعيف» فى تحقيق السلام فى هذه المنطقة.وظل نوع من التوازن يحكم
العلاقة بين جناح الترابى وجناح البشير فى السلطة من خلال تقاسم الأمور فى
سلطة ذات رأسين يقود كل من الرجلين أحد رأسيها؛ حيث كان الترابى يقود
الحركة الإسلامية وهى بمثابة حكومة مدنية خفية بينما يقود البشير الحكومة
العسكرية العلنية، ثم بدأ اتجاه داخل العسكريين وبمساندة من بعض المدنيين
داخل الحركة يميل إلى احتفاظ البشير بالسلطة وإقصاء الترابى، واستطاع هذا
الاتجاه أن يكسب المعركة لينتهى شهر العسل بين البشير والترابى وتبدأ مرحلة
الانفصال والانشقاق المعروف بينهما التى بلغت ذروتها عامى ١٩٩٩ و٢٠٠٠
وصولا إلى اعتقال الترابى (٧٨ عاما) عدة مرات فى الأعوام الأخيرة ليصبح مع
كل يوم رمزا بارزا من رموز المعارضة تسبب تصريحاته وموقفه وانتقاداته
«صداعا مزمنا» للسلطة تحاول علاجه بـ«مسكنات» الاعتقال والإقامة الجبرية فى
أحيان كثيرة.