طارق الشناوي
يعرض خلال الأيام القادمة فيلم "بصرة" إنه فيلم تنساب فيه الدراما مع الصورة لتصنع حالة خاصة.. لم أشعر بارتياح عندما قرأت اسم "بصرة" على اعتبار أن هناك تعسف بين لعبة الكوتشينة الشهيرة "البصرة" وبين مدينة "البصرة" بالعراق إلا أن الفيلم عندما شاهدته اكتشفت أنه لا يضع هذا الفرض باعتباره قيداً على الدراما ولا على عمق الفكرة ولكن لأنه في النهاية سيجد أمامه هذا التوافق بين البصرة في الكوتشينة والتي تعني التوافق وبين اغتصاب البصرة في العراق الكل مغتصب في اللعب وفي الحرب وفي الحب وتلك هي "البصرة" التي أرادها المخرج!!
في عز الأزمة التي تعيشها ولا تزال السينما المصرية كان ينبغي أن يبرق ضوء أبيض أراه دائماً في تلك التجارب التي تخرج عن النمط الإنتاجي السائد.. تحاول أن تعثر على بديل لا يفرض شروطاً على صانع العمل الفني.. السينما المصرية هي ابنة السوق يفرض النجوم – لا أتحدث بالضرورة عن النجم عندما ينتج – ولكن كل النجوم Super Star يقدمون أفلامهم وليست أفلام المخرجين فهم الذين يتحكمون في كل التفاصيل.. كان جيل الثمانينيات "خان" ، "دواود" ، "الطيب" ، "خيري" لديه أحلام أخرى ساعده على تحقيقها أن هناك بطلاً مثل "أحمد زكي" مثلما أضافوا له ألقاً ووهجاً أضاف هو لهم وكان أيضاً من بين النجوم "نور الشريف" برغم أنه بدأ في نهاية الستينيات لكنه توافق مع أحلام ذلك الجيل..
أما هذا الجيل من المخرجين فكيف يجد أحلامه وأمامنا النجوم الجدد يسيطرون هم أيضاً على مفردات الفيلم السينمائي؟ بعض المخرجين الشباب اعتقد أن الحل في الاستعانة بالوجوه الجديدة ولجأ بالفعل إليهم ولكننا في أغلب هذه الأفلام لم نعثر على شيء مميز.. كان "أوقات فراغ" محاولة على مستوى الفكرة والتناول ولكن الرؤية الإخراجية كانت تنتمي إلى زمن آخر.. لأن شركات الإنتاج كانت تفرض في كثير من الأحيان نجوم جدد على المخرج الجديد وهو في نفس الوقت لا يستطيع الرفض لأنه يريد إنجاز مشروعه فكان لابد من العثور على طريق آخر.. سينما طازجة يقدمها "أحمد رشوان" في فيلمه "بصرة" الذي كتب له أيضاً السيناريو يمزج فيها بين حالة البطل "باسم سمرة" التي تتماهى مع أحداث الغزو الأمريكي البريطاني للعراق 2003..
كانت قناة الجزيرة حاضرة في هذا الفيلم وهي توثق الحدث حتى رحيل المذيع "طارق" أثناء القصف الأمريكي وهو يؤدي واجبه يتحول إلى حالة درامية تمهد لرحيل صديق "باسم سمرة" الذي أدى دوره الفنان الأردني "إياد نصار".. البطل مصور فوتوغرافيا يبحث عن ومضات الحياة بينما يعيش الفوضى في حياته.. الأبطال كلهم نتاج فوضى الحياة ولكنهم يبحثون عن خطوط بعيدة جداً ربما تجمع هذه الفوضى..
الوجوه في هذا الفيلم لا تمثل ولكننا نصدق أنها تعيش بيننا.. "باسم سمرة" ينتمي إلى هؤلاء الذين تراهم كثيراً في الشارع ويحافظ دائماً أمام الكاميرا على أن يظل هو هذا الإنسان الذي نلتقي به بدون أن يشعرك أن هناك كاميرا بينك وبينه.. عدد من الممثلين هذه هي تجاربهم الأولى "يارا جبران" ، "ناهد السباعي" ، "فاطمة علي" استطاع المخرج الحفاظ على بكارتهم أمام الكاميرا.. أما "باسم سمرة" و "إياد نصار" فإنهما برغم احترافهما إلا أن المفتاح في الأداء الذي اتكأ عليه المخرج هو الروح التلقائية.. مدير التصوير "فيكتور كريدي" أبدع في تنفيذ اللقطات وخلق الإضاءة خاصة الداخلية.. موسيقى "شريف الوسيمي" تشي بموهبة قادمة!!
قيمة هذا الفيلم أنه أخذ قطعة من الحياة وأحالها إلى شريط سينمائي نطل منه على حياة الأبطال لنرى حياتنا!!
أثبت "أحمد رشوان" في "بصرة" وقبله "إبراهيم بطوط" في فيلم "عين شمس" وبعدهما "أحمد عبد الله" في "هليوبوليس" أن الفنان المصري قادر على أن يحيل أحلامه إلى واقع وأنه من الممكن وبأقل القليل من الإمكانيات والتنازلات أن تصنع السينما التي تحلم بها!!