40- دلّ الحديث على خروج الأسنان في الضحك أمام الغير، وأن ذلك لا يخل
بالمروءة، فقد خرجت أنياب النبي صلى الله عليه وسلم أمام ذلك المجلس.
41- دلّ ظاهر الحديث على جواز المسألة لمن كان محتاجا.
42- في الحديث بيان لخصلة يجبل عليها الإنسان، وهو حب الطمع والتزود،
فالرجل بعد أن كان يسأل عن مخرج له من ذنبه الذي فعله، أصبح يسأل لأهله
الطعام، ومع ذلك تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع هذا الموقف بما يفيد
فن التعامل مع الخصال الفطرية في البشر.
43- في الحديث رأفة العالم بالناس واللين معهم، بما في ذلك من وقع في الذنب، وأسرف على نفسه بالمعاصي.
44- في الحديث دليل على أن للذنب حرارة عند المؤمن، ولهذا قال الرجل كما في بعض الروايات: "احترقت" وهكذا حال المؤمن مع الذنوب، فيرى أنها تحرقه، ولأنها مهلكة كما قال الرجل: "هلكت" وهذا
الشعور هو الذي يجعل المؤمن كلما وقع في الذنب تاب وأناب ورجع واستغفر،
على النقيض من ذلك الرجل متبلد الحس يتهاون بذنوبه مما يجعلها تستمر وتكثر
ولم يلق لها بالا.
45- الحديث دلّ على جواز كثرة الأسئلة للحاجة، فقد سأل النبي صلى الله عليه ثلاثة أسئلة متوالية: "هل تجد رقبة تعتقها؟ "ثم قال:"هل تستطيع صيام شهرين متتابعين؟ "ثم قال : "هل تجد إطعام ستين مسكينا؟" وذلك للحاجة إلى ذلك.
والنهي الوارد عن كثرة الأسئلة في قوله صلى الله عليه وسلم:"نهى عن كثرة السؤال"تحمل على الأسئلة التي لا فائدة منها جمعا بين الأمرين.
46- يدل الحديث على جواز سؤال العالم لغيره فيما يخصه من أسرار وشؤون إن
ترتب على ذلك حاجة، فقد كانت أسئلة النبي صلى اله عليه وسلم فيما يخص
الرجل من شؤون خاصة تتعلق بحالته المادية، وقدرته الجسمية، والدافع لذلك
لتكون الفتوى صحيحة.
47- على المفتي أن يفتي غيره بالتفصيل وليس بالإجمال، فقد فصّل النبي صلى
الله عليه وسلم الحكم بالنسبة للرجل، ولم تكن فتوى النبي صلى الله عليه
وسلم مجملة مبهمة، وإنما يعطي المستفتي حقّه من الفهم والدراية.
48- دلّ الحديث على أن كفارة المجامع في نهار رمضان إن كانت صيام شهرين
متتابعين فهي مبنية على الاستطاعة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم
للرجل :"هل تستطيع صيام شهرين متتابعين؟" فعلى هذا يدور الحكم مع علته وجودًا وعدمًا، فمن كان مستطيعا لم ينتقل إلى الإطعام، ومن لم يستطع أطعم.
49- لم يستفصل النبي صلى الله عليه وسلم عن سبب عدم الاستطاعة، فلم يقل له: لم لا تستطيع صيام الشهرين، مما يدل على أن الرجل مصدق في أقواله بالإضافة إلى ترك الاستفصال فيما لا داعي له.
50- لم يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن امرأة الرجل، ولهذا اختلف أهل العلم في هذه المسألة : هل على المرأة كفارة؟
على قولين كلاهما له حظ من النظر، وحجة من لم يوجب هو ترك النبي صلى الله
عليه وسلم الاستفصال عن المرأة في هذا الحديث، ولعل السر في ذلك أن المرأة
عليها شبهة الإكراه.
51- في الحديث التعاون مع المذنبين، وإيجاد حلول لذنوبهم ومشكلاتهم، فقد
ضحك النبي صلى الله عليه وسلم مع أن الرجل مذنب، وساعده في التكفير عن
ذنبه.
52- في الحديث رحمة الله بعبده، فالرجل وقع في الذنب وانتهك حرمة الشهر،
ومع كل ذلك فقد رزقه الله سبحانه وتعالى، فسبحان من لا تضره معصية
العاصين، ولا تنفعه طاعة الطائعين.
53- في الحديث قرب الفرج، فكل من أصيب بهم وغم فليعلم أن فرج الله قريب،
فالرجل وقع في الذنب مع قلة في ذات اليد، فبعد هذه الحالة الصعبة جاء فرج
الله.
54- لله حكمٌ في تقدير الذنب على العبد لا يعلمها إلا هو سبحانه وتعالى،
وهذا يرجع إلى اسم الله الحكيم، ومن الحكم الظاهرة في هذا الحديث معرفة
الأحكام الشرعية، بالإضافة إلى ما رزقه الرجل من طعام لأهل بيته.
55- الملاحظ أن الرجل فقير فقر مدقع، حتى أنه حلف أن ما بين لابتي المدينة
أهل بيت أفقر من أهل بيته، ومع ذلك يمارس حياته الطبيعية من جماع وغيره،
بمعنى آخر أن هم الحياة الصعبة لم يمنعه من ممارسة حياته الطبيعية، وهذا
من أنجح العلاجات لمن تراكمت عليه الهموم ألا يجعل الهم يمنعه حياته، فإن
التفاؤل والأمل وتناسي الهموم مما يخففها.
56- في الحديث دلالة على أساليب الأعراب مع النبي صلى الله عليه وسلم، ففي رواية أنه أعرابي، وقرائن الأحوال من أفعال هذا الرجل تدل على أنه من الأعراب، فمقاطعته الحديث، ودخوله بدون استئذان، وألفاظه "هلكت" "احترقت"، وللأعراب قصص شيقة، وأساليب مثيرة مع النبي صلى الله عليه وسلم.
57- في الحديث سكوت المفضول بين يدي الفاضل، فالصحابة الجلوس لم يتكلم أحد
منهم، ولم يقاطع النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا أدعى لسماع العلم ووعيه.
58- في الحديث جواز قول "ويلك" للرجل، ففي رواية أن النبي صلى الله علي وسلم قال للرجل: "ويلك" وعلى هذا بوب البخاري على هذا الحديث: باب قول ويلك للرجل.
59- في الحديث أن كثرة الحلف لا تذم إن كان لها ما يدعو، فالرجل حلف مرتين "والذي بعثك بالحق ما أجد غيرها ، وضرب صفحة عنقه"، ثم قال "فوالله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر من أهل بيتي" وعلى هذا تذم كثرة الحلف فيما لا داعي له، أو عبثا بدون فائدة.
60- العَرَق يساوي (15) صاعا، والصاع أربعة أمداد، وعلى هذا فلكل مسكين (مد) لأن عدد المساكين (60)، وقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة:
ما مقدار الإطعام الوارد في الكفارة؟
فمن قال المقدار هو (مد)
لكل مسكين يستدل بهذه الرواية، ومن قال بأن العبرة بمطلق الإطعام فيستدل
بتعدد روايات العَرَق التي وردت، مما يدل على أن المراد إطعام المساكين
بدون تحديد مقدار معين، والأمر سهل في ذلك بإذن الله.
61- الحديث يدل على أن المجامع في نهار رمضان يقتصر على الثلاثة الخصال في الكفارة، ولا يجب عليه غيرها.
62- في الحديث حرص المسلم على براءة ذمة إخوانه، وسعيه في تخليصها، فالنبي
صلى الله عليه وسلم لم يكتف بالفتوى للرجل المجامع في نهار رمضان، وإنما
سعى في تخليص ذمته مما علق فيها من حق لله، وقال: "خذ هذا وتصدّق به" ، وهكذا يكون المسلم مع إخوانه، وهذا مما يتعبد فيه المرء لربه.
63- في الحديث على المفتي أن يذكر الحكم ويستفصل تأكيدًا، ولا يستدل بظاهر
حال المستفتي، فالنبي صلى الله عليه وسلم سأل الرجل: هل تجد رقبة، هل تجد
إطعام ستين مسكينا، مع أن الرجل ظاهره الفقر، فلم يكتفِ النبي صلى الله
عليه وسلم بظاهر الحال لوجود احتمال، وإنما سأله عن قدرته.
64- دلّ الحديث على عظم ذنب المجامع في نهار رمضان، فقد رتبت عليه الشريعة كفارة مغلظة، فنعوذ بالله من الذنوب.
65- دلّ الحديث على أن الكفارة تخرج الإنسان من الذنب، وهذا من رحمة الله بعباده.
66- دلّ الحديث على أن الإنسان يملك صدقته، ويتصرف بها كيفما يشاء، فالرجل قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "خذ هذا وتصدق به" مع أنه في الأصل هو صدقة على الرجل.
67- في الحديث جواز مساعدة الرجل في كفارته، فالنبي صلى الله عليه وسلم أعطى الرجل عَرَقًا لأجل أن يكفر عن ذنبه.
68- دلّ الحديث عل أن حدود المدينة النبوية ما بين الحرتين، لقوله "ما بين لابتيها –يريد الحرتين".
69- في الحديث دلالة على أن الراوي يبين معنى الكلمات الغريبة ليفهما سامعها وقارئها، فقد قال الراوي:" لابتيها – يريد الحرتين" فهذا بيان لمعنى غريب.
70- في الحديث جواز الادخار، لقول النبي صلى الله عليه وسلم للرجل: "أطعمه أهلك" ومعلوم أن العَرَق لا يمكن الفراغ منه إلا في عدة أيام.
71- في الحديث جواز الهبة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وهب الرجل العرق من التمر.
72- دل الحديث على أن الهبة تملك بالقبض من غير صيغة قولية.
73- في الحديث دلالة على أن أهل الفضل والكرم يطمع بكرمهم، فعليهم أن يزدادوا ويتحلوا بمكارم الأخلاق.
74- يجوز للإنسان أن يصرح بلفظ الفقر عن نفسه وأهل بيته ما دام كلامه صحيحا، ولهذا قال الرجل:"ما بيت لابتيها أهل بيت أفقر من أهل بيتي".
75- في الحديث جواز الحلف بدون استحلاف، وأن النهي عن كثرة الحلف تنصرف إلى ما لا فائدة منه، فالرجل حلف " والذي بعثك بالحق " من غير أن يطلب النبي صلى الله عليه وسلم منه اليمين.
76- في الحديث جواز الإلحاح إن كانت الحاجة داعية، فالرجل ألح على النبي صلى الله عليه وسلم في إعطائه الصدقة وذلك لفقره.
78- في الحديث جواز إظهار المعصية لمن يرجو تخليصه منها، فالرجل أظهر معصيته وأمام الناس أيضا إلا أن ذلك في سبيل التخلص منها.
79- وفي الحديث أيضا وجوب السؤال عما يفعله الإنسان مخالفا لأوامر
الشريعة، فلا يجوز للإنسان أن يترك دينه من غير سؤال؛ إذ قد يترتب على
فعله أمور لا يحسن تركها.
80- اختلف أهل العلم في مسألة، وهي:
إن لم يستطع المجامع الخصال الثلاث فهل تسقط الكفارة؟ أم تبقى دينا في رقبته؟
على قولين، ومن يقول بأن الكفارة تسقط يستدل بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر للرجل شيئا بعد أن ذكر الرجل أنه لا يستطيع.
فهذه ثمانون فائدة من هذا الحديث العظيم، سائلا الله أن ينفعني به، وأن يشرح صدري للنور والهدى، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.